جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
shape
محاضرة القاعة
4882 مشاهدة print word pdf
line-top
تقديم عمل الآخرة على عمل الدنيا

ثم نقول أيضا: إن الإنسان إذا عمل للدار الآخرة؛ فإن ربه سبحانه ضمن له الرزق في الدنيا، على مقتضى هذه الآية: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً .
ضمن له أن يحييه حياة طيبة في هذه الدنيا، ولو كانت هذه الحياة ليست هي السعة في الأموال، وما أشبهها، ولكنها كما قلنا حياة اللذة، وسرور القلب، مع أن الإنسان إذا عمل للآخرة؛ فرزقه في الدنيا ميسر.
يقول بعض السلف: ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، يعني: إلى رزقك وكسوتك ومتاعك وما تتمتع به، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، نصيبك من الآخرة هو الأعمال الصالحة التي تستحق بها الثواب، وتستحق بها الجنة، ودار الكرامة عند الله، ابن آدم أنت محتاج إلى نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج، فإن بدأت بنصيبك من الدنيا؛ فاتك نصيبك من الآخرة، وإن بدأت بنصيبك من الآخرة؛ مر على نصيبك من الدنيا فانتظمه انتظاما.
يعني أن من جعل الدنيا أكبر همه، وجل شغله؛ فاتته الآخرة، وفاتته الأعمال الصالحة، وأما إذا جعل الآخرة أكبر همه، وجعل عمله للآخرة؛ فإن رزق الدنيا مضمون كما في قول الله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ .
ثم نعرف أيضا أن ربنا سبحانه غني عن عباده، وأن عبادتهم يعود أجرها ونفعها إليهم عاجلا وآجلا، وإنما أمرنا بالعبادة اختبارا وامتحانا، ليظهر من يشكر، ومن يكفر، ومن يعبد الله، ومن يعبد هواه؛ فلذلك نقول: إن علينا أن نري الله تعالى من أنفسنا الجد والاجتهاد في الطاعة، والإكثار من أنواع العبادة ومن القربات التي يحبها ربنا -سبحانه وتعالى- ويأمر بها؛ حتى نكون حقا من الذين أطاعوا الله تعالى، وامتثلوا ما أمرهم به وتركوا ما نهاهم عنه.
ولا شك أيضا أن الابتلاء في هذه الدنيا بهذه العبادات يظهر من يتلذذ بهذه العبادة، ومن يراها كما يعبرون عائقة عن الملذات وعن الشهوات التي أمام الإنسان، فالذين يرون أن هذه العبادة لذة وسرور هؤلاء هم أولياء الله تعالى، والذين يقدمون أهواءهم وشهواتهم على عبادة ربهم هؤلاء هم المحرومون.
وقد أخبر الله تعالى بأن الناس ينقسمون إلى:
من يريد الدنيا، ومن يريد الآخرة مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يقول الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ نعوذ بالله، والمراد بحرث الدنيا يعني حظها.
إذا أراد الإنسان حظ الآخرة؛ عمل لها، وإذا أراد الدنيا؛ عمل لها، ومن عمل للدنيا؛ فاتته الآخرة، ومن عمل للآخرة؛ زاده الله تعالى حظا، ورزقه أيضا ما يعيش به في الدنيا.
يقول تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ومعناه أنه إذا أراد حرث الآخرة يعني الجنة والثواب الأخروي؛ زاده الله تعالى في حرثه في الآخرة، ورزقه أيضا في الدنيا، وأحياه حياة طيبة.
فنجتهد أيها الإخوة في تحقيق هذه النية التي هي عبادة الله -سبحانه وتعالى- والإقبال عليه ومحبته والحرص على أداء حقوقه حتى نعيش عيشة طيبة، ونحيا حياة سعيدة، ونبتعد عن المعاصي وعن المحرمات، حتى لا نسخط الله علينا وحتى لا يعاجلنا الله بالعقوبة، ويحرمنا لذة الطاعة، ويحرمنا لذة العبادة.
نسأل الله أن يقبل بقلوبنا على طاعته، وألا يحرمنا من واسع فضله، وأن يهدينا إلى صراطه السوي، صراط المنعم عليهم، وأن يجنبنا طريق الغواية وطريق الضلالة، كما نسأله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، وأن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يرزقهم القول الصحيح والعمل الصالح، وأن يهديهم سواء السبيل، كما أسأله أن يعز الإسلام وأهله ويذل الشرك وأهله، إنه على كل شيء قدير، والله أعلم.
أسئـلة
جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء على هذه الكلمة الطيبة، نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا.
س: فضيلة الشيخ هناك بعض الأسئلة .. الفائدة في بعض الأمور. هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ ما معنى سلامة الصدر للمسلمين ؟ وكيف نحب لإخواننا المسلمين ما نحب لأنفسنا؟
سليم الصدر هو الذي لا يكون في قلبه حقد ولا بغض ولا حسد ولا شنآن ولا عداوة لأية مسلم، بل يكون صدره منشرحا لإخوانه، كذلك أيضا يحب لهم الخير، إذا كان ليس في قلبه حقد، ولا بغض على أحد من المسلمين؛ فإنه يحب لهم الخير، وإذا أحب لهم الخير، وأبغض لهم الشر حرص على هدايتهم، وعلى دلالتهم إليه وعلى بيانه لهم وعلى النصيحة لهم، وحرص على تحذيرهم من الشر ومن الفتن ومن المعاصي والمحرمات صغيرها وكبيرها وبذلك يعرف بأنه صادق المودة، أنه يحب المسلمين وأنه يحب لهم الخير.
ومعلوم أيضا أنه كثيرا ما يكون هناك بغضاء وعداوة بأسباب تافهة وأمور دنيوية، فيجب على المسلم ألا يتمادى مع هذه الأسباب الدنية الدنيوية، وأن يتغاضى عنها؛ ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرغب في العفو فيقول:
أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك كذلك قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ثم قال: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ويقول تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ويقول الله تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ نتصف بهذا حتى نكون من الذين صدروهم مليئة بالإيمان، وبريئة من البغضاء والشنآن.
س: جزاكم الله خيرا. فضيلة الشيخ هذا سائل أخ يقول: بماذا توصينا نحن ساكني المدينة وجيران رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من طلب العلم في المسجد والتزام حسن الجوار وغير ذلك حفظكم الله؟
العلم مكانه من طلبه وجده، ولا شك أن في هذه المدينة النبوية مجال لمن أراد أن يتعلم فيمكنه أن يتعلم في المسجد النبوي في الحلقات التي يقيمها أكابر العلماء ونحوهم.
ويمكنه أن يتعلم أيضا في الحلقات الصغيرة، ويمكنه أن يتصل بالعلماء مشائخ الجامعة وأئمة الحرم والقضاة والمدرسين ونحوهم؛ فيستفيد منهم، ويمكنه أن يسترشد بإرشاداتهم إذا أرشدوه أن يقرأ الفائدة الفلانية والكلمات الفلانية والرسالة والنسخة التي يرشدونها إليها وتقيد بها وقرأها بتمهل وتمعن حصل على علم يتبعه العمل.
س: جزاكم الله خيرا. هذا السائل يقول: يا شيخ يقول: ما حكم الغيبة ؛ حيث يتساهل فيها الكثير وخاصة في المسئول عنه أي الرئيس، فدائما المرءوس ينفس عن نفسه بغيبة الرئيس، نأمل تنبيهكم حول هذا الموضوع، وجزاكم الله خيرا؟
الغيبة ذنب كبير، حذر الله تعالى منه قال الله تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ يعني: مثله الله بهذا المثل، لو وجدت ميتا، يعني إنسانا ميتا مسلما أو كافرا فهل تستسيغ أن تأكل لحمه وهو ميت؟!
هل يستسيغ أحد أن يأكل من جيفة، من جيفة إنسان، أو من جيفة كلب، أو من جيفة حمار أو ما أشبه ذلك؟ هكذا مثل الله، والأدلة أيضا من السنة كثيرة على هذه الآية في سورة الحجرات.
أورد ابن كثير أحاديث كثيرة تدل على تحريم الغيبة منها أنه -صلى الله عليه وسلم- قالت له زوجته إحدى زوجاته: حسبك من صفية كذا وكذا تعني أنها قصيرة فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته يعني لغيرته، كلمة فيها هذه السخرية.
كذلك ذكر أن بعض الصحابة تكلموا في إنسان، وسمعهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمروا بجيفة فقال: يا فلان، وفلان انزلا، فكلا من هذه الجيفة. قالوا: يغفر الله لك يا رسول الله، فقال: إن ما نلتما من عرض أخيكما أهون من هذه الجيفة ؛ فننصح المسلم بأن يحفظ لسانه، وألا يتكلم لا في رئيس، ولا في مرءوس، ولا في صغير، ولا كبير وهو غائب.
أما إذا انتقد عليه شيئا؛ فإن عليه أن ينصحه، إذا أنكر على رئيسه أمرا من الأمور؛ فعليه أن ينصحه، ويقول: ألاحظ عليك نقص كذا وزيادة كذا، وظلما في كذا وكذا، فالمؤمن يستر وينصح، والمنافق يهتك ويفضح، يتجنب المسلم الخلال السيئة حتى يكون حسن الخلق وحسن العمل.
س: جزاكم الله خيرا. هذا سائل يسأل عن النذر يا شيخ يقول: سبق وأن نذرت نذرا لوجه الله تعالى إن حصل كذا؛ فعلي كذا، فتحقق لي ما تمنيت، فهل يجب علي أداء النذر، أم هناك كفارة؟
يقول: إن حصل لي كذا فعلي كذا . كلمة علي كذا قد تكون عملا وقد تكون مالا، فإذا قال مثلا: إن حصل لي ترقية أو إن شفيت من هذا المرض؛ فعلي أن أتصدق بمائة، أو فعليّ أن أذبح شاة لوجه الله أو بعيرا؛ فهذا يلزمه الوفاء به، وكذلك إذا قال: إن حصل لي هذا؛ فعلي أن أصوم لله شهرا، أو عشرة أيام، أو علي أن أحج في هذا العام، أو أن أعتمر في هذا الشهر، أو أن أقرأ في هذا الأسبوع القرآن كله، أو أن أصلي في هذه الليلة عشر ركعات، أو ما أشبه ذلك فعليه الوفاء؛ لأن هذا أمر طاعة، وأما إذا كان من الأمور الدنيوية؛ فإنه يخير بين فعله، وبين كفارة.
فالأمور الدنيوية ليست عبادة، فإذا قال مثلا: إن حصل لي كذا؛ فعلي أن أشتري دارا أوسع من هذه، أو علي أن أشتري سيارة فارهة، أو علي أن أشتري كسوة لأهل بيتي قيمتها كذا وكذا، من أرفع الكسوة، فهذه أمور دنيوية ليست عبادة، له الخيار بين أن يفعلها، وبين أن يكفر كفارة يمين.
وأما إذا كان الأمر محرما؛ فلا يجوز فعله، فإذا قال: إن حصل لي كذا وكذا؛ فعلي أن أضرب فلانا ظلما، أو أن أقتله أو أن أشرب خمرا أو دخانا، أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام وعليه الكفارة.
س: جزاكم الله خيرا. هذا سائل يسأل يقول: في البداية يقول: إنا نحبك في الله حتى ننقل ما ذكر الأخ، يقول السؤال: كنت مسافرا، وفي طريق العودة إلى دار إقامتي جمعت الظهر مع العصر جمع تقديم وعندما وصلت، وصلت قبل خروج وقت العصر، أو قبل صلاة العصر في المساجد، فلم أصل صلاة العصر مع الجماعة فهل علي شيء في ذلك؟
نعم عليك أن تصلي صلاة العصر أربعا؛ لأنك صليتها في الطريق ركعتين ولما قدمت البلاد؛ صرت مطالبا بالأربع، أصبحت من أهل الأربع؛ حيث أدركت الجماعة ما صلوا؛ فلا بد أنك تعيدها أربعا نعم.
س: جزاكم الله خيرا. هذا أيضا سؤال آخر لنفس السائل يقول: له صديق ملتزم ومحافظ على دينه يقول: نحسبه كذلك والله حسيبه، إلا أنه قاطع لرحمه، فلا يزور بعض أقاربه، كأعمامه وأقاربه فهل من نصيحة له؟
إن كان تركه من غير بغض وإنما هو انشغال؛ فلا يأثم عذره يقول: إنني بعيد وإنني منشغل، ولا أتفرغ للزيارة، وأنا أحب أقاربي، وأحب لهم الخير، وأنصح لهم، ولا أحقد عليهم، ولا أبغض أحدا منهم ولكن ليس عندي فراغ أن أزورهم شهريا، أو نحو ذلك، أكتفي بما أكنه لهم؛ فهو معذور.
وأما إذا كان في قلبه بغض لهم وترك السلام والزيارة عليهم لأجل حقد أو لأجل حسد أو .. فهذا حرام.
وقد ذكرنا أولا أن المسلم يجب عليه أن يكون سليم الصدر للمسلمين كلهم، ولأقاربه خصوصا، وأن لذوي القربى حق من الحقوق العشرة التي جمعها الله تعالى في آية الحقوق العشرة في قوله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .
هذه الآية آية الحقوق العشرة، الحق الثالث جعله الله تعالى لأقارب الإنسان، أقاربه: أعمامه وإخوانه وأولادهم وأخواله وأبناء عم أبيه ونحوهم، فلا يجوز له مقاطعتهم، مقاطعتهم تصير قطيعة وقد تسمعون الحديث: لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يحذرون من ذلك؛ حتى روي أن أبا هريرة كان مرة في مجلس فجاء رجل فأراد أن يجلس معه؛ فأخرجه قال: والله لا يؤويني وإياك سقف، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم يعني أن أثره يعم، أو عقوبته تعم من جالسه، وإن لم يكن مثله، فعليه أن يتوب، وأن يصل أقاربه، ويعمل بقول الله تعالى: وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ .
س: جزاكم الله خيرا. هذا سائل يسأل يقول: تعلمون أن معظم الرواتب الآن تصرف عن طريق البنوك، وهذه البنوك كثير منها ربوية، فهل على المسلم شيء من الإيداع بها والتعامل معها في هذا الجانب؟
لا حرج في ذلك، يجوز الإيداع عندهم ولو كانوا يرابون، ويجوز الأمانات عندهم، استدل بعض المشائخ بقول الله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ يعني مع أن أهل الكتاب يأكلون الربا كما في قوله تعالى: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ولكن إذا كان هناك وسيلة أو سبب يصرفه عن التعامل مع هؤلاء البنوك؛ فلا مانع، وعليه إذا أحيل راتبه عليهم أن يقبضه بسرعة، حتى لا يتركه ينتفعون به.
س: جزاكم الله خيرا. هذا سائل يسأل سؤالا ما واضح، لكن نعرضه على الشيخ يقول: هل يجوز لزوجتي مقابلة جدي لوالدي، وجدي لوالدتي، وهل هما محرم لها؟
نعم الأب والآباء كلهم محارم للزوجة لقوله تعالى: أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ يعني وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ يعني الأزواج أَوْ آبَائِهِنَّ يعني أبو الزوجة أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ فكما أنها تكشف لأبيها وجدها وجد أبيها وجد أمها وجدها لأمها ونحوهم، فكذلك تكشف لأبي زوجها، وجد زوجها؛ لأن الجميع كلهم يدخلون في كونهم من الآباء أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ .
س: جزاكم الله خيرا. هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ ابتلاني الله سبحانه تعالى بشرب الدخان فادع الله لي –يطلب منكم الدعاء له- أن يعينني على تركه، وسؤاله يقول: أحيانا أصلي في المسجد وهو في جيبي وأشعر بالحرج من ذلك فهل يعني يترتب على هذا شيء في دخوله للمسجد والصلاة وهو يحمله؟
ننصحك يا أخي بالتوبة منه توبة صادقة وأن تقلع عنه إقلاعا كليا؛ وذلك لأن هذا الدخان محرم وليس محرما فقط للدين بل للدنيا، فهو خسران مبين، وإحراق للأموال ثم هو أيضا ضرر واضح، ضرر على الصحة من جهات عديدة حتى تعرفون أن الدول الكبرى كأمريكا ونحوها تحاربه وتمنعه أن يشرب في طائراتها أو في حافلاتها أو في المجتمعات أو ما أشبه ذلك، فطريقة التخلص منه تركه تركا كليا، ولا تقول أتركه بالتدريج؛ فإن ذلك لا ينفع، وأما إذا عزمت وتوكلت على الله وتركته وقاطعته قطعا كليا؛ فإن الله تعالى يريحك منه وتسلم على دينك، وتسلم على صحتك، وتسلم على مالك، وتكتسب خيرا وتعيش عيشة طيبة.
ذكر الأطباء أنه يعني الذين عالجوا تركه، يقول إنسان تركه ثلاث مرات، تركه مرة استمر على ذلك برهة من الزمان، ثم عاد إليه ثم تركه مرة ثانية، واستمر على ذلك زمان سنة أو سنوات، ثم عاد إليه، ثم تركه المرة الثالثة وحتم على نفسه ألا يعود إليه؛ فأعانه الله تعالى وتركه تركا كليا.
فيقول: إن تركه يكون بطريقة العزم والجزم على أنه لا يعاوده أبدا بقية حياته، ولو أحس في الأيام الأولى بدوخة أو إغماء أو أمراض أو نحو ذلك؛ فإن هذا أثر السم الذي فيه، السم الذي اكتشفوه يسمى النيكوتين، وهذا مادة سامة، ولولا أنهم يحرقونها لأثرت على من يتعاطاه، فهذا من آثاره هذه الدوخة ونحوها، فاتركه تركا كليا، واعزم عسى أن يوفقك الله تعالى وأن يهديك ويعينك الله على تركه وجميع أفراد المسلمين.
أما حمله فلا نحكم بأنه نجس العين، يعني لأنه نبات من هذه النباتات، ولا نقول إن من حمله كمن حمل بولا أو نجاسة عينية، لو قيل ذلك لأدى ذلك إلى إبطال صلاة الكثير، ولكن نقول: إن عليك إذا ابتليت به ولم تستطع أن تترك الدخان في سيارتك أو في بيتك إذا أتيت إلى المسجد؛ حتى لا يكون في قلبك شيء من الانشغال به في عبادتك وصلاتك، وهذا بعد أن تحاول تركه وأن تبذل ما تستطيعه.
هناك رسالة مؤلفها أمريكي عنوانها :كيف تبطل التدخين؟
ألفت باللغة الإنجليزية ثم ترجمت إلى العربية ليستفاد منها، يمكن أن تجدها في المكتبات، ذكر فيها أنك إذا طبقت التعليمات، ولم تترك الدخان؛ فإننا سنرد عليك ثمنك الذي بذلته فيها، يعني كأنه جزم بأن من طبق هذه التعليمات فإنه سيتركه، يقول: إذا لم تبطل التدخين بعد تطبيق ذلك؛ فإن ثمنها سيعاد لك.
هناك أيضا رسالة أخرى اسمها: الدخينة في نظر طبيب، ومؤلفها أيضا ليس مسلما، الأصل الذي ألف الأصل باللغة الأجنبية، وترجمت إلى العربية ترجمتها طبيبة مصرية، الدخينة في نظر طبيب، وقد استوفى فيها آفات الدخان الضارة حسيا ومعنويا وصحيا وماليا واقتصاديا، وننصح بقراءتها أيضا.
ولي رسالة اسمها: التدخين مادته وحكمه في الإسلام، ولعلها أيضا أن تطبع قريبا يطبع منها نحو عشرة آلاف على نفقة الأمير عبد الله بن عبد العزيز وفقه الله، فلعلها أن توزع بكمية في تلك المجالات، ويعرض أيضا بعضها للبيع، وفيها عالجنا فيها أضرار الدخان، وكذلك كثير من المشائخ تكلموا في ذلك وكتبوا في ذلك تحذيرا رجاء أن ينفع، ولكن يعتذر هؤلاء الذين يقعون فيه بصعوبة تركه وليس ذلك بصعب وإنما ذلك من آثار الهوى ومن آثار ميل النفس إلى ما تميل إليه فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .
س: جزاكم الله خيرا. هذا سؤال وهو واضح ولكن أيضا.. يقول: نرجو من فضيلتكم إيضاح الحكم إذا قصرت المرأة المحرمة من شعر رأسها للتحلل بنفسها هل في ذلك محذور؛ حيث قيل لنا أنه عليها دم، ولا بد للمحرم أن يقص له غيره؟
ليس كذلك، فإذا قصر الإنسان من شعره، لو كان عنده شعر وافر، ثم قبض منه وقصر منه قدر الأنملة، أو نحوها من جميع جوانبه؛ كفاه ذلك، ولا حاجة إلى أن يُقصره غيره، وكذلك المرأة إذا جدلت رأسها جدائل وأخذت كل جديلة وقصت منها قدر رأس الإصبع؛ كفاه ذلك وليس شرطا أن يقصه غيرها.
س: جزاكم الله خيرا. هذا السؤال الأخير يقول: فضيلة الشيخ ما رأيكم فيمن اعتاد على الحضور إلى الصلوات متأخرا بعد أن تقام الصلاة، وحينما يسأل عن هذا التأخير يتبجح بالعمل أو يتعذر بالعمل أو الانشغال، ويكون هذا بصفة دائمة؟
ننصحه بأن لا يتمادى في هذا، وأن يبادر، وأن يكون من السابقين الذين يسارعون في الخيرات قال الله تعالى: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ .
ولا شك أن من المسارعة، المسارعة إلى أداء الصلاة والسبق إليها، فأولا: إذا جاء إلى المسجد ؛ فإنه يمشي بتؤدة وسكينة، يقول عليه السلام: إذا أتيتم إلى الصلاة؛ فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار .
وثانيا: أنها تكتب لك خطواتك فالذي يأتي يسرع تقل خطواته، والذي يأتي ماشيا بتؤدة؛ تكثر خطواته، فكل خطوة فيها أجر، يقول في الحديث: و بكل خطوة إلى الصلاة صدقة ولذلك يستحبون أن يأتي راجلا ولو من مكان بعيد وألا يأتي راكبا؛ حتى لا تفوته هذه الخطوات.
وثالثا: احتسب أن تقدمك إلى المسجد وجلوسك فيه عبادة، فإن جلوس العبد وانتظاره للصلاة يكتب في صلاة، يقول: لا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة أو ما كانت الصلاة تحبسه والملائكة تستغفر له: اللهم اغفر له اللهم ارحمه وهذا يفوت الذي يتأخر استغفار الملائكة وكونه في صلاة.
كذلك أيضا احتسب أعمالك التي تعملها بعدما تأتي إلى المسجد، زائدة على أداء الصلاة فإنك تتقرب بالنافلة الراتبة أو النافلة التي تأتي بها قبل إقام الصلاة وهذه عبادة تفوت المتأخر، وكذلك إذا كنت تقرأ القرآن قرأت ما تيسر منه آيات أو سورا يكتب لك بذلك أجر وهذا يفوت المتأخر، وكذلك إنصاتك إذا كنت لا تقرأ وأنصت إلى قارئ يقرأ فالإنصات أيضا فيه أجر وثواب.
فننصح بالتقدم إلى المسجد في صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة؛ ليحظى الإنسان بهذا الأجر الكبير.
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ، وفي الختام نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا بما سمعنا ...

line-bottom